يعد اضطراب الانتباه وفرط الحركة من بين الاضطرابات النمائية الأكثر شيوعا، إذ تقدر نسبة انتشاره بين أطفال العالم بحوالي (%10)، و يجمع بين ثلاثة أنماط رئيسية: نمط خاص بضعف الانتباه، الثاني بفرط الحركة، أما الثالث فهو النمط المشترك بين ضعف الانتباه وفرط الحركة إضافة إلى وجود سلوك اندفاعي. هذا وقد ورد في الدليل التشخيصي الإحصائي الرابع للاضطرابات العقلية قائمة تشخيصية تحتوي على مختلف الأعراض الخاصة بكل نمط على حدى.
في حين قد تتعدى أعراض (ADHD) الثلاث الأنماط المذكورة سابقا إلى جواز ظهوره رفقة مجموعة من الاضطرابات الثانوية الأخرى كالاضطرابات العلائقية أو الانفعالية، وهذا ما جعل Fisher تصفه بالحديقة المتنوعة.
كما تُرَدٌّ أسباب الإصابة باضطراب الانتباه وفرط الحركة إلى مجموعة غير متجانسة من العوامل تتراوح ما بين الوراثة، البيئة، والعوامل النورولوجية، الأمر الذي سهل تفسير العلاقة بين صعوبات التعلم و (ADHD) مرورا بوظيفة الذاكرة العاملة، وهذا ما ينعكس سلبا على خبرات الطفل أو يجعل استيعابه للمادة التعليمية صعبا.
1- تعريف اضطراب الانتباه وفرط الحركة
يعرف الدليل الموحد لمصطلحات الإعاقة والتربية الخاصة و التأهيل (2001) اضطراب الانتباه و فرط الحركة على أنه: عبارة على الصعوبة في التركيز والبقاء على المهمة، يصاحبه نشاط زائد والذي يعرف بأنه نشاط حركي غير هادف لا يتناسب مع الموقف أو المهمة ويسبب الإزعاج للآخرين، حيث يتضمن المعيار التشخيصي لاضطراب ضعف الانتباه والنشاط الزائد (ADHD) ما يلي:
قصور في الانتباه (فشل الفرد في إنهاء المهمات والصعوبة في التركيز).
الاندفاعية أو التهور (التصرف قبل التفكير في الأمر والصعوبة في تنظيم العمل).
النشاط الزائد (الحركة المتواصلة). (الزارع، 2007، ص15).
فهو باختصار عبارة عن سلوك متواصل من زيادة في الحركة ونقص في الانتباه مع وجود سلوك اندفاعي، بشكل لا يتناسب مع عمر الطفل (Le cendreux , 2007, P. 09).
كما يعتمد الكثير من الباحثين والمختصين على تعريف الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) في دراساتهم لاضطراب الانتباه وفرط الحركة، وهو نفسه التعريف الذي جاء في الطبعة الرابعة من الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية، صنفت فيه الأعراض إلى ثلاثة أنماط:
اضطراب ضعف الانتباه والنشاط الزائد (ADHD) بزيادة في ضعف الانتباه.
اضطراب ضعف الانتباه والنشاط الزائد (ADHD) بزيادة في النشاط الحركي و الاندفاعية.
اضطراب ضعف الانتباه والنشاط الزائد (ADHD) يجمع بين أعراض ضعف الانتباه، الاندفاعية والنشاط الزائد (Wikipedia, 2009)
2- الخصائص التعليمية المرتبطة باضطراب الانتباه وفرط الحركة
تبدو مشكلة عدم الانتباه للتعليمات الصعبة والمهام المدرسية المطلوبة شائعة بشكل كبير بين طلاب المرحلة الابتدائية، فمن بين كل طفل من أربعة أطفال يعانون من (ADHD) تظهر لديهم اضطرابات في التعلم، وأكثر من ذلك هم معرضون للفشل الدراسي، بالرغم من قدراتهم العقلية المتوسطة أو التي تعلو على المتوسط.
كما أظهرت دراسات طويلة أجريت في كندا و الولايات المتحدة الأمريكية أن نسبة (%10-%8) من الأطفال ذوي (ADHD) يمكن التنبؤ لهم بانخفاض أدائهم الأكاديمي على مستوى القراءة والرياضيات مع احتمال رسوبهم في المرحلة الثانوية. (Tannock, 2007, P. 2)
وحسب (Lirma & Raynold, 2001, P. 18) هناك ثلاثة أسباب رئيسية تقف خلف صعوبات التعلم عند الأطفال المصابين باضطراب الانتباه وفرط الحركة تتمثل في:
اضطراب الانتباه وفرط الحركة له علاقة بخلل نشاط الذاكرة العاملة.
مشاكل على مستوى الوظائف التنفيذية أيا كان نوعها سواء في القدرة على تحديد المشكلة، خطة العمل، تنفيذ الخطة أو تقييم فاعليتها.
مشاكل في سرعة معالجة المعلومات.
وفيما يلي عرض مختصر لأهم هذه الخصائص التعليمية التي يمتاز بها الطفل ذو اضطراب الانتباه وفرط الحركة:
1- ضعف القدرة على الفهم
أي ضعف قدرة الطفل على فهم المعلومات التي يستقبلها سواء كانت شفهية أو مكتوبة.
وقد أظهرت نتائج الدراسات الحديثة أن الأطفال المصابين بـ (ADHD) لا يفهمون أكثر من (%30) من مجموع المعلومات التي يسمعونها. وهذه حقيقة علمية خطيرة توحي بأن الطفل لا يفهم إلا ثلث المعلومات التي يتلقاها خلال اليوم الدراسي.
كما يعاني هؤلاء الأطفال من ضعف القدرة على الإنصات، كون الجهاز العصبي لديهم يتصف بضعف قدرته على معالجة المعلومات المسموعة وربطها بالمعنى، ونفس الأمر ينطبق على معالجة المعلومات المقروءة، إذ تصل نسبة الأخطاء المتعلقة بالقراءة إلى (%20) تقريبا.
نستنتج مما سبق أن الجهاز العصبي المركزي لدى الطفل المصاب باضطراب الانتباه وفرط الحركة ، لا يستطيع معالجة كل المعلومات السمعية والبصرية التي يستقبلها، فلذلك نجد قدرته على الفهم ضعيفة جدا مما يترتب عليه الخطأ في الاستجابة.
2- الاستجابة الخاطئة
ترجع الاستجابة الخاطئة للطفل الذي يعاني من اضطراب الانتباه وفرط الحركة إما لضعف قدرته على الفهم، أو لضعف قدرته على التذكر، بحيث لا تسعفه العمليات العقلية على استدعاء المعلومات الضرورية التي يحتاجها من الذاكرة طويلة المدى.
تظهر هذه المشكلة بشكل واضح في القراءة أو في الرياضيات من خلال نسيانه للحروف أو للعلامات الجبرية أو الأشكال الهندسية، الأمر الذي يجعله يتوقف كثيرا للبحث في ذاكرته عن هذه المعلومات. وفي حالة عدم استدراكها فإنه يستجيب باستجابات خاطئة.
وأحيانا ما، تعمل الذاكرة بطريقة جيدة عند مزاولة الطفل لنشاط معين ولكنها سرعان ما تضعف، ويزداد هذا الضعف تدريجيا كلما زاد حجم العمل الذي يقوم به الطفل وزادت معه الفترة الزمنية التي يستغرقها هذا العمل. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، إذا كان هذا الطفل يقوم بحل عدد من المسائل في مادة الرياضيات، فإنه يقوم بحل الأولى بدون أخطاء ولكنه يخطئ في المسألة الثانية خطأ بسيطا، ويزداد حجم الخطأ مع كل مسألة جديدة يقوم بحلها حتى يصبح الخطأ كليا.
وتجدر الإشارة إلى أن الطفل الذي يعاني من اضطراب الانتباه وفرط الحركة يقوم بالاستجابة الخاطئة رغما عنه، حيث يرجع ذلك لعدم قدرته على التحكم في جهازه العصبي وعملياته العقلية المضطربة.
3- كثرة النسيان
إن كثرة النسيان من أهم السمات التي يتصف بها الطفل ذو اضطراب الانتباه وفرط الحركة، فكثيرا ما نجده ينسى أدواته الدراسية، أداء واجباته المنزلية، استذكار دروسه ومحصلة ذلك هو انخفاض مستوى التحصيل الدراسي لديه.
4- شرود الذهن
إن العملية التعليمية تتطلب من الطفل أن يركز انتباهه على المنبه الرئيسي وتجاهل المنبهات الدخيلة الأخرى، وهذا الأمر يشكل صعوبة كبيرة للطفل الذي يعاني اضطراب الانتباه وفرط الحركة .فالتشتت المتكرر لانتباه الطفل الذي يعاني من هذا الاضطراب، يجعله لا يكمل العمل الذي يقوم به، فكثيرا ما يجد المعلم فجوات في عمل هذا الطفل و يتهمه بالتقصير.
5- نمط التفكير
إن الطفل الذي يعاني من اضطراب الانتباه وفرط الحركة يعاني من ضعف قدرته على التفكير، كما أن نمط تفكيره غير مترابط وينتقل بسرعة شديدة من فكرة إلى أخرى، ومن موضوع لآخر ويترتب عن ذلك عدم تركيزه على العمل الذي يقوم به مما يجعله مليئا بالأخطاء.
6- الكتابة الرديئة
إن كتابة الطفل المصاب باضطراب الانتباه وفرط الحركة مليئة بالأخطاء اللغوية حتى ولو كان الطفل يقوم بالنقل من كتاب أمامه، فضلا عن ذلك على المحو و الشطب الذي يميز كتاباته مما يجعل الشكل العام لها رديئا.
7- تجنب الموقف التعليمي
إن الطفل المصاب باضطراب الانتباه وفرط الحركة يحاول دائما أن يبتعد بشتى الطرق عن المواقف التعليمية بصفة عامة، والتي تحتاج إلى تفكير وجهد عقلي بصفة خاصة، ولذلك يحاول تجنب هذه المواقف بحيل شتى، فقد نجده يشتكي مثلا من صداع في رأسه أو ألم في بطنه، كما نجده يستغرق وقتا طويلا في أداء بعض المهام السهلة كمسح السبورة أو إخراج أدواته بنية تضييع الوقت.
وإذا عجز عن تجنب الموقف التعليمي بإحدى الحيل السابقة أو غيرها فإنه يجلس في مقعده ويهيم بخياله في عالم آخر من أحلام اليقظة بعيدا عن العملية التعليمية. (السيد وفائقة، 1999، ص74-78)
3- تأثير الاضطراب على عملية التعلم
يرتبط اضطراب الانتباه وفرط الحركة بمناطق دماغية ووظيفية مهمة خاصة المناطق المسؤولة عن العمليات النفسية الأساسية المتمثلة في الوظائف التنفيذية، الذاكرة، التعلم و سرعة معالجة المعلومات. (عاشور، 2007، ص10)
كما تعتبر الذاكرة العاملة مكونا أساسيا من مكونات الذاكرة البشرية وتلعب دورا مهما في أداء المهام المعرفية، وتتفق العديد من الدراسات الحديثة على أن للذاكرة العاملة علاقة باضطراب الانتباه. (كامل، 2001، ص32)
ولعل الاستناد إلى نموذج Broadbent قد يفي بالغرض في تفسير هذه العلاقة، و يركز هذا النموذج على طريقة تدفق المعلومات بين المثير و الاستجابة، حيث يبدأ المثير بالمرور عبر منطقة التسجيل الحسي، ثم يصل إلى منطقة الترشيح وهو ما يسميها بالفلتر الانتقائي الذي يقود إلى قناة يتم فيها التحليل الإدراكي ثم تمر المعلومات إلى الذاكرة قصيرة المدى، من ثمة تصل الاستجابة المطلوبة. (عاشور، 2007، ص13)
من خلال هذا المخطط يتبين لنا أن عملية الانتباه هي أولى العمليات المعرفية، و بالتالي أي خلل يمس هذه العملية سيؤثر حتما على المعالجة المعرفية التي تكون على مستوى الذاكرة قصيرة المدى والمسماة بالذاكرة العاملة، ففيها يتم تصنيف، ترتيب و تنظيم المعلومات الجديدة بالتفاعل مع الخبرات السابقة الموجودة على مستوى الذاكرة طويلة المدى.