شرح قصة الأيام للصف الثالث الثانوي 2018:
التعريف بطه حسين
- طه حسين (1889-1973) عميد الأدب العربي واحد من أعظم وأهم - إن لم يكن أهم - المفكرين العرب في القرن العشرين لدوره التنويري العظيم وإن كانت آراؤه محل جدال كبير .
- ولد طه حسين في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة (الكيلو) التي تقع على مسافة كيلومتر من (مغاغة) بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط. وكان والده موظفًا صغيرًا في شركة السكر ، أنجب ثلاثة عشر ولدًا ، سابعهم طه حسين.
- كُفَّ بصره وهو طفل صغير نتيجة الفقر والجهل المستشري (المنتشر) في المجتمع من حوله فلقد أصيب بالرمد فعالجه الحلاق علاجاً ذهب بعينيه ، ولكنه كافح كف البصر فأخذ العلم بأُذُنَيْه لا بأصابعه فقهر عاهته قهرا ، وحفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر طلبًا للعلم ، وتمرّد على طرق التدريس بالأزهر وعلى شيوخه , فانتهى به الأمر إلى الطرد منه 1908 م .
- التحق بالجامعة المصرية الوليدة (1) التي حصل منها على درجة الدكتوراه الأولى له في الآداب سنة 1914 عن أديبه المفضّل أبي العلاء المعري برسالة موضوعها: " تجديد ذكرى أبي العلاء " .
- ثم سافر إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه وعاد منها سنة 1919 بعد أن فرغ من رسالته عن ابن خلدون , فعمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني إلى سنة 1925 ، حيث تم تعيينه أستاذًا في قسم اللغة العربية مع تحول الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية. وما لبث أن أصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي أحدث عواصف من ردود الفعل المعارضة لآرائه التي اعتبرها البعض آراء فاسدة مدفوعة بأغراض غربية .
- ترقى في مناصبه سريعاً حتى أصبح عميدًا لكلية الآداب سنة 1930 م ، ولكنه حين رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين سنة 1932 م تعرّض إلى الطرد من الجامعة التي لم يعد إليها إلا بعد سقوط حكومة صدقي باشا
- كان انحيازه دائماً للمعذَّبين في الأرض (الفقراء)فعندما عُيّن وزيرًا للمعارف في الوزارة الوفدية سنة 1950 م , وجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الأثير (التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن) ، و استصدر قرارا بمجانية التعليم العام حتى مستوى الثانوي وكان لهذا القرار نتائج سياسية واجتماعية وثقافية لا تقل عن ثورة اجتماعية
- وفكرية كاملة.
- ثم أصبح بعد ذلك عام 1963 م رئيسًا للمجمع اللغوي (الرئيس الثالث) ، ونال تقدير الدولة فأهديت إليه في عهد الثورة قلادة النيل وهي أرفع الأوسمة المصرية و لا تمنح تلك القلادة إلاّ لرؤساء الدول و الملوك .
- و مؤلفاته التي أثرى بها المكتبة العربية تصل إلى نحو مائة كتاب بين مؤلف ومترجم منها : (حديث الأربعاء - مرآة الإسلام - الوعد الحق - مع المتنبي - الشيخان - على هامش السيرة - دعاء الكروان - حافظ وشوقي) وغيرها.
- توفي في 26 أكتوبر سنة 1973.
- التعريف بالكِتاب
- الأيام أول سيرة ذاتية جادة سبَّاقة في واقعيتها وصفاء لغتها ، وقد كتبها طه حسين عن نفسه عام 1926 م ؛ ليعطينا فيها صورة صادقة عن حياة الصبا القاسية التي قاوم صعوباتها ومشقاتها مثلما قاوم العمى والجهل ، وتعد الأيام أول كُتُب السيرة الذاتية في الوطن العربي .
- يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء
- الجزء الأول يتحدث فيه طه حسين عن طفولته بما تحمل من معاناة ، ويحدثنا عن الجهل المطبق على الريف المصري وما فيه من عادات حسنة وسيئة في ذلك الوقت .الجزء الثاني يتحدث عن المرحلة التي امتدت بين دخوله الأزهر وتمرده المستمر على مناهج الأزهر وشيوخه ونقده الدائم لهم وحتى التحاقه بالجامعة الأهلية.
يوم مجهول
لا يذكر الطفل لهذا اليوم اسما ولا يستطيع أن يعرف له وقتا محددا , وإنما يقرب هذه الذكرى تقريبا , ويرجح أن ذلك الوقت يقع في الفجر أو العشاء , ذلك لأن وجهه في ذلك اليوم المجهول تلقى شيء من الهواء الخفيف البارد الذي لم تمسه حرارة الشمس , كما أنه يذكر أنه تلقى نورا هادئا خفيفا تغطي الظلمة جوانبه , وما يؤكد أن هذا الوقت كان في الفجر أو العشاء أن الصبي لم يشعر بحركة قوية , وإنما كان يشعر بحركة ضعيفة مقبلة على النوم أو مستيقظة منه .
السياج والأرنب من ذكريات الطفولة
لم يبقى لهذا الصبي من ذكريات هذا اليوم المجهول سوى ذكرى السياج الطويل من القصب والذي كان يحيط بالبيت وليس بينه وبين الباب إلا خطوات قصار , فهو -السياج- أطول من قامة الصبي قليلا فلا يستطيع أن يثب من فوقه, وكان قصبه متقارب لدرجة التلاصق لدرجة تمنعه من الانسلال من بين قصبه , وكان ممتدا عن شماله إلى حيث لا يعلم له نهاية, وعن يمينه إلى حيث قناة بعيدة , كان لها في خياله تأثيرا عظيم .
وكذلك يذكر من ذلك اليوم الأرانب التي كان يحسدها على قدرتها على الوثب خارج السياج , أو الانسياب من بين قصبه , والخروج من البيت متى شاءت لتأكل ما وراءه من نباتات . ويذكر الصبي من هذه النباتات الكرنب خاصة .
أو قات التفكير وصوت الشاعر
وكذلك فإن الصبي كان يذكر من هذا اليوم أنه كان يحب الخروج من البيت بعد غروب الشمس , وبخاصة بعد أن يتعشى الناس , فكان يعتمد على قصب السياج , وتأخذه التأملات والأفكار بعيدا عن أرض الواقع فلا يرده إلى الواقع إلا صوت الشاعر الذي كان يجلس على شماله الصبي , ويلتف حوله الناس يستمعون إلى إنشاده وحكاياته عن أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة ودياب. فتجد أن كل الناس سكوت فلا تسمع لهم صوتا إلا حين يستخفهم الطرب , أو تستفزهم الشهوة , فيتمارون ويتخاصمون , فيسكت الشاعر حتى يصمتوا بعد وقت طويل أو قصير ثم يكمل إنشاده بنغمة عذبة لا تكاد تتغير.
ذكريات أليمة
ويذكر الصبي أنه ما خرج يوما إلى السياج إلا وشعر بحسرة لاذعة , وذلك أنه كان يعرف أنه بمجرد الخروج فإن أخته ستقطع عليه نشوة استماعه إلى إنشاد الشاعر , وذلك أنها ستدعوه للدخول فيأبى وبالتالي ستخرج إليه وتحمله بالقوة وتجري به إلى أمه , حيث تضع رأسه على فخذي أمه فتفتح له عينيه المظلمتين وتقطر فيهما ذلك السائل الذي يؤذي عينيه ولا يجدي في شيء ,وهو وإن كان يشعر بألم شديد إلا أنه لم يكن يبكي ولم يكن يشكو , وذلك أنه لم يرد أن يكون كأخته الصغيرة التي دائما ما تبكي بكاء وتشكو .
ثم تنقله أخته إلى زاوية في حجرة صغيرة لكي ينام على حصير مبسوط في الأرض فوقها لحافا وتلقى عليه لحافا آخر وتتركه في حسراته , حتى أنه من شدة الحسرة كان يمد سمعه كأنه يريد أن يخترق الحائط لعله يسمع بعضا من تلك النغمات الحلوة التي يرددها الشاعر .
ولا يصرفه عن تلك الحسرة إلا النوم , فما يشعر إلا وقد استيقظ والناس نيام وإخوته بجانبه يغطون في النوم غطا شديدا , فيكشف اللحاف عن وجهه بين التردد والخوف لأنه كان يخاف أن ينام مكشوف الوجه.
أوهام وتصورات ومخاوف أثناء النوم
فقد كان الصبي الصغير واثقا بأنه لو كشف وجهه أو أخرج أحد أطرافه من تحت اللحاف لعبث بها أحد العفاريت التي تملأ كل أرجاء البيت , والتي لا تهبط تحت الأرض إلا بعد بزوغ الشمس فإذا جاء الليل وأوى الناس إلى مضاجعهم وهدأت الأصوات خرج العفاريت من تحت الأرض وملأت الفضاء حركة وأضطرابا وتهامسا وصياحا .
الاستيقاظ فجرا والضوضاء التي كان يصنعها
كان الصبي كثيرا ما يستيقظ فجرا فيسمع صياح الديكة والدجاج ويجتهد في أن يميز بين هذه الأصوات , فكان يرى أن بعضها أصوات لديكة حقيقية والبعض الآخر ما هو إلا أصوات للعفاريت التي تقلد الديكة , ولكنه لم يكن يخاف من أصوات العفاريت , وذلك أنها كانمت تأتيه من بعيد
ولكن خوفه الأكبر إنما كان ينبع من تلك الأصوات التي تصدر ضئيلة وضعيفة من زوايا الحجرة , يمثل بعضها أزيز المرجل , يغلي على النار , وأصوات حركة المتاع حينما ينقل من مكان لآخر , وكذلك كان يخاف من صوت الحطب حينما يقسم أو يتحطم .
بل إن الخوف وصل به إلى درجة توهم بعض الأشياء التي لم يكن لها أساس من الواقع , فهو يتوهم هناك من يقف على باب الحجرة يسده عليه سدا منيعا , وهذا الشخص يقوم بحركات مختلفة وغريبة تشبه لحد كبير حركة المتصوفة في حلقات الذكر .
هذه المخاوف والأشباح التي كان يشعر بها الصبي لم يجد له حصن منها سوى ذلك اللحاف الذي يلفه حول وجهه , دون أن يدع بينه وبين الهواء منفذ أو ثغرة , فقد كان واثقا كل الثقة بأنه لو تر ثغرة ولو صغيرة فإن العفريت لابد أن يدخل منها العفريت يده إليه .
ولذلك كان يقضي ليله في هذه المخاوف والأوهام والأهوال إلا حينما يغلبه النوم , فينام قليلا وسرعان ما يستيقظ ليكمل رحلة المخاوف والأوهام ,ولا تستقر من الخوف إلا حينما يسمع أصوات النساء وهن يتغنين (الله ياليل الله......) فهنا يعرف أن الفجر قد حضر وأن العفاريت قد هربت إلى تحت الأرض وهنا يتحول هو إلى عفريت ,فيظل يتحدث غلى نفسه بصوت عال ويتغنى بما يحفظ من أناشيد ويغمز إخوته حتى يوقظهم جميعا . ويظل يلعب معهم حتى تتعالى أصواتهم وصيحاتهم , ولا يوقفهم عنها إلا صوت الشيخ الذي استيقظ لصلاة الفجر وقراءة ورده من القرآن وشرب القهوة , فإذا ما أغلق الباب وراء الشيخ بعد خروجه عادت الصيحات واللعب حتى يختلط بالطيور والماشية التي في البيت
تحميل: مذكرة شرح قصة الأيام للصف الثالث الثانوي كاملة وورد من هنا- طه حسين (1889-1973) عميد الأدب العربي واحد من أعظم وأهم - إن لم يكن أهم - المفكرين العرب في القرن العشرين لدوره التنويري العظيم وإن كانت آراؤه محل جدال كبير .
- ولد طه حسين في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 في عزبة (الكيلو) التي تقع على مسافة كيلومتر من (مغاغة) بمحافظة المنيا بالصعيد الأوسط. وكان والده موظفًا صغيرًا في شركة السكر ، أنجب ثلاثة عشر ولدًا ، سابعهم طه حسين.
- كُفَّ بصره وهو طفل صغير نتيجة الفقر والجهل المستشري (المنتشر) في المجتمع من حوله فلقد أصيب بالرمد فعالجه الحلاق علاجاً ذهب بعينيه ، ولكنه كافح كف البصر فأخذ العلم بأُذُنَيْه لا بأصابعه فقهر عاهته قهرا ، وحفظ القرآن الكريم في التاسعة من عمره قبل أن يغادر قريته إلى الأزهر طلبًا للعلم ، وتمرّد على طرق التدريس بالأزهر وعلى شيوخه , فانتهى به الأمر إلى الطرد منه 1908 م .
- التحق بالجامعة المصرية الوليدة (1) التي حصل منها على درجة الدكتوراه الأولى له في الآداب سنة 1914 عن أديبه المفضّل أبي العلاء المعري برسالة موضوعها: " تجديد ذكرى أبي العلاء " .
- ثم سافر إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه وعاد منها سنة 1919 بعد أن فرغ من رسالته عن ابن خلدون , فعمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني إلى سنة 1925 ، حيث تم تعيينه أستاذًا في قسم اللغة العربية مع تحول الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية. وما لبث أن أصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي أحدث عواصف من ردود الفعل المعارضة لآرائه التي اعتبرها البعض آراء فاسدة مدفوعة بأغراض غربية .
- ترقى في مناصبه سريعاً حتى أصبح عميدًا لكلية الآداب سنة 1930 م ، ولكنه حين رفض الموافقة على منح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيين سنة 1932 م تعرّض إلى الطرد من الجامعة التي لم يعد إليها إلا بعد سقوط حكومة صدقي باشا
- كان انحيازه دائماً للمعذَّبين في الأرض (الفقراء)فعندما عُيّن وزيرًا للمعارف في الوزارة الوفدية سنة 1950 م , وجد الفرصة سانحة لتطبيق شعاره الأثير (التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن) ، و استصدر قرارا بمجانية التعليم العام حتى مستوى الثانوي وكان لهذا القرار نتائج سياسية واجتماعية وثقافية لا تقل عن ثورة اجتماعية
- وفكرية كاملة.
- ثم أصبح بعد ذلك عام 1963 م رئيسًا للمجمع اللغوي (الرئيس الثالث) ، ونال تقدير الدولة فأهديت إليه في عهد الثورة قلادة النيل وهي أرفع الأوسمة المصرية و لا تمنح تلك القلادة إلاّ لرؤساء الدول و الملوك .
- و مؤلفاته التي أثرى بها المكتبة العربية تصل إلى نحو مائة كتاب بين مؤلف ومترجم منها : (حديث الأربعاء - مرآة الإسلام - الوعد الحق - مع المتنبي - الشيخان - على هامش السيرة - دعاء الكروان - حافظ وشوقي) وغيرها.
- توفي في 26 أكتوبر سنة 1973.
- التعريف بالكِتاب
- الأيام أول سيرة ذاتية جادة سبَّاقة في واقعيتها وصفاء لغتها ، وقد كتبها طه حسين عن نفسه عام 1926 م ؛ ليعطينا فيها صورة صادقة عن حياة الصبا القاسية التي قاوم صعوباتها ومشقاتها مثلما قاوم العمى والجهل ، وتعد الأيام أول كُتُب السيرة الذاتية في الوطن العربي .
- يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء
- الجزء الأول يتحدث فيه طه حسين عن طفولته بما تحمل من معاناة ، ويحدثنا عن الجهل المطبق على الريف المصري وما فيه من عادات حسنة وسيئة في ذلك الوقت .الجزء الثاني يتحدث عن المرحلة التي امتدت بين دخوله الأزهر وتمرده المستمر على مناهج الأزهر وشيوخه ونقده الدائم لهم وحتى التحاقه بالجامعة الأهلية.
يوم مجهول
لا يذكر الطفل لهذا اليوم اسما ولا يستطيع أن يعرف له وقتا محددا , وإنما يقرب هذه الذكرى تقريبا , ويرجح أن ذلك الوقت يقع في الفجر أو العشاء , ذلك لأن وجهه في ذلك اليوم المجهول تلقى شيء من الهواء الخفيف البارد الذي لم تمسه حرارة الشمس , كما أنه يذكر أنه تلقى نورا هادئا خفيفا تغطي الظلمة جوانبه , وما يؤكد أن هذا الوقت كان في الفجر أو العشاء أن الصبي لم يشعر بحركة قوية , وإنما كان يشعر بحركة ضعيفة مقبلة على النوم أو مستيقظة منه .
السياج والأرنب من ذكريات الطفولة
لم يبقى لهذا الصبي من ذكريات هذا اليوم المجهول سوى ذكرى السياج الطويل من القصب والذي كان يحيط بالبيت وليس بينه وبين الباب إلا خطوات قصار , فهو -السياج- أطول من قامة الصبي قليلا فلا يستطيع أن يثب من فوقه, وكان قصبه متقارب لدرجة التلاصق لدرجة تمنعه من الانسلال من بين قصبه , وكان ممتدا عن شماله إلى حيث لا يعلم له نهاية, وعن يمينه إلى حيث قناة بعيدة , كان لها في خياله تأثيرا عظيم .
وكذلك يذكر من ذلك اليوم الأرانب التي كان يحسدها على قدرتها على الوثب خارج السياج , أو الانسياب من بين قصبه , والخروج من البيت متى شاءت لتأكل ما وراءه من نباتات . ويذكر الصبي من هذه النباتات الكرنب خاصة .
أو قات التفكير وصوت الشاعر
وكذلك فإن الصبي كان يذكر من هذا اليوم أنه كان يحب الخروج من البيت بعد غروب الشمس , وبخاصة بعد أن يتعشى الناس , فكان يعتمد على قصب السياج , وتأخذه التأملات والأفكار بعيدا عن أرض الواقع فلا يرده إلى الواقع إلا صوت الشاعر الذي كان يجلس على شماله الصبي , ويلتف حوله الناس يستمعون إلى إنشاده وحكاياته عن أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة ودياب. فتجد أن كل الناس سكوت فلا تسمع لهم صوتا إلا حين يستخفهم الطرب , أو تستفزهم الشهوة , فيتمارون ويتخاصمون , فيسكت الشاعر حتى يصمتوا بعد وقت طويل أو قصير ثم يكمل إنشاده بنغمة عذبة لا تكاد تتغير.
ذكريات أليمة
ويذكر الصبي أنه ما خرج يوما إلى السياج إلا وشعر بحسرة لاذعة , وذلك أنه كان يعرف أنه بمجرد الخروج فإن أخته ستقطع عليه نشوة استماعه إلى إنشاد الشاعر , وذلك أنها ستدعوه للدخول فيأبى وبالتالي ستخرج إليه وتحمله بالقوة وتجري به إلى أمه , حيث تضع رأسه على فخذي أمه فتفتح له عينيه المظلمتين وتقطر فيهما ذلك السائل الذي يؤذي عينيه ولا يجدي في شيء ,وهو وإن كان يشعر بألم شديد إلا أنه لم يكن يبكي ولم يكن يشكو , وذلك أنه لم يرد أن يكون كأخته الصغيرة التي دائما ما تبكي بكاء وتشكو .
ثم تنقله أخته إلى زاوية في حجرة صغيرة لكي ينام على حصير مبسوط في الأرض فوقها لحافا وتلقى عليه لحافا آخر وتتركه في حسراته , حتى أنه من شدة الحسرة كان يمد سمعه كأنه يريد أن يخترق الحائط لعله يسمع بعضا من تلك النغمات الحلوة التي يرددها الشاعر .
ولا يصرفه عن تلك الحسرة إلا النوم , فما يشعر إلا وقد استيقظ والناس نيام وإخوته بجانبه يغطون في النوم غطا شديدا , فيكشف اللحاف عن وجهه بين التردد والخوف لأنه كان يخاف أن ينام مكشوف الوجه.
أوهام وتصورات ومخاوف أثناء النوم
فقد كان الصبي الصغير واثقا بأنه لو كشف وجهه أو أخرج أحد أطرافه من تحت اللحاف لعبث بها أحد العفاريت التي تملأ كل أرجاء البيت , والتي لا تهبط تحت الأرض إلا بعد بزوغ الشمس فإذا جاء الليل وأوى الناس إلى مضاجعهم وهدأت الأصوات خرج العفاريت من تحت الأرض وملأت الفضاء حركة وأضطرابا وتهامسا وصياحا .
الاستيقاظ فجرا والضوضاء التي كان يصنعها
كان الصبي كثيرا ما يستيقظ فجرا فيسمع صياح الديكة والدجاج ويجتهد في أن يميز بين هذه الأصوات , فكان يرى أن بعضها أصوات لديكة حقيقية والبعض الآخر ما هو إلا أصوات للعفاريت التي تقلد الديكة , ولكنه لم يكن يخاف من أصوات العفاريت , وذلك أنها كانمت تأتيه من بعيد
ولكن خوفه الأكبر إنما كان ينبع من تلك الأصوات التي تصدر ضئيلة وضعيفة من زوايا الحجرة , يمثل بعضها أزيز المرجل , يغلي على النار , وأصوات حركة المتاع حينما ينقل من مكان لآخر , وكذلك كان يخاف من صوت الحطب حينما يقسم أو يتحطم .
بل إن الخوف وصل به إلى درجة توهم بعض الأشياء التي لم يكن لها أساس من الواقع , فهو يتوهم هناك من يقف على باب الحجرة يسده عليه سدا منيعا , وهذا الشخص يقوم بحركات مختلفة وغريبة تشبه لحد كبير حركة المتصوفة في حلقات الذكر .
هذه المخاوف والأشباح التي كان يشعر بها الصبي لم يجد له حصن منها سوى ذلك اللحاف الذي يلفه حول وجهه , دون أن يدع بينه وبين الهواء منفذ أو ثغرة , فقد كان واثقا كل الثقة بأنه لو تر ثغرة ولو صغيرة فإن العفريت لابد أن يدخل منها العفريت يده إليه .
ولذلك كان يقضي ليله في هذه المخاوف والأوهام والأهوال إلا حينما يغلبه النوم , فينام قليلا وسرعان ما يستيقظ ليكمل رحلة المخاوف والأوهام ,ولا تستقر من الخوف إلا حينما يسمع أصوات النساء وهن يتغنين (الله ياليل الله......) فهنا يعرف أن الفجر قد حضر وأن العفاريت قد هربت إلى تحت الأرض وهنا يتحول هو إلى عفريت ,فيظل يتحدث غلى نفسه بصوت عال ويتغنى بما يحفظ من أناشيد ويغمز إخوته حتى يوقظهم جميعا . ويظل يلعب معهم حتى تتعالى أصواتهم وصيحاتهم , ولا يوقفهم عنها إلا صوت الشيخ الذي استيقظ لصلاة الفجر وقراءة ورده من القرآن وشرب القهوة , فإذا ما أغلق الباب وراء الشيخ بعد خروجه عادت الصيحات واللعب حتى يختلط بالطيور والماشية التي في البيت